لا يقتصر الفرق بين التوحد وطيف التوحد، على اختلاف المفهومين فقط، بل يظهر الفرق أيضًا في الكثير من أعراض المرض، وأسباب الإصابة به، لذا فإنه من الضروري معرفة وتعلم هذه الفروق، والتي قد تبدو واهية وغير ملحوظة، ولكنها تُحدث فارقًا كبيرًا، في عملية تشخيص وعلاج المرض بشكلٍ صحيح.
الفرق بين التوحد وطيف التوحد
من أبرز الأخطاء التي يقع فيها البعض، الخلط بين مرض التوحد وطيف التوحد، فبالرغم من وجود بعض أوجه التشابه بينهما، إلا أن هناك اختلافا بين المفهومين وأسبابهما، كذلك الأعراض الخاصة بهما، بالإضافة إلى طريقة علاجهما أيضًا.
مفهوم طيف التوحد
التوحد
بينما يعد طيف التوحد حالة مرتبطة بنمو العقل، فإن العلماء يرجحون أن التوحد هو اضطراب دماغي، يصاب به الشخص منذ ولادته، وتتمثل مضاعفاته في فقدان الشخص قدرته على التعامل والتواصل، مع جميع المحيطين به، سواء في المجال الأسري أو العملي والدراسي، بالإضافة إلى عدم استجابة الفرد للمؤثرات الخارجية من حوله، والفشل في جميع الأنشطة والمهام المكلف بها.
كما عرف بعض العلماء مرض التوحد بأنه اضطراب في النمو العصبي، يؤثر بشكل مباشر على تفاعل الفرد الاجتماعي، كذلك تواصله اللفظي وأنماطه السلوكية المختلفة، إذ يعد من الاضطرابات الثلاثة المندرجة تحت طيف التوحد، والذي يؤثر على عملية معالجة البيانات في المخ، الأمر الذي يتم عن طريق تغيير كيفية ارتباط وانتظام الخلايا العصبية، كذلك تغير نقاط اشتباكها، وهو ما لم يستطع العلماء تفسير كيفية حدوثه حتى وقتنا هذا.
مميزات التوحد وأنواعه
يظهر الفرق بين التوحد وطيف التوحد، في بعض الخصائص التي يتميز بها مريض التوحد، إذ يتسم بعدة صفات تميزه، وتجعله قادرًا على التفوق على أقرانه في عدة مجالات، ومن أبرز هذه المميزات:
- شخص عبقري جدًا.
- متفوق دراسيًا، خاصة في المواد المتعلقة بالرياضيات، أو التاريخ، كذلك المواد الموسيقية.
- حاد الذكاء، ويمتلك ذاكرة قوية.
- بالإضافة إلى ذلك، فإن 10% من مصابي مرض التوحد، يمتلكون عدة قدرات ومواهب، والتي يمكن أن تجعلهم من أشهر الشخصيات في التاريخ، إذا ما تم توظيفها بشكل صحيح.
الفرق في أنواع التوحد
كما يظهر الفرق أيضًا في الأنواع المختلفة لمرض التوحد، والتي يتم تشخيصها، بعد عمل بعض الاختبارات وتحديد نوع الأعراض المرتبطة بالاضطراب، وتتمثل هذه الأنواع فيما يلي:
- التوحد المصاحب للإعاقة الذهنية.
- التوحد المرتبط بالشذوذ في الحركة.
- التوحد المصاحب لمشكلات في اللغة.
- التوحد المرتبط بعامل وراثي.
- التوحد المرتبط بحالات طبية.
- التوحد المصاحب لمشكلات عقلية، أو مشكلات عصبية وسلوكية.
أعراض طيف التوحد مقابل مرض التوحد
تزيد احتمالية الإصابة بطيف التوحد للذكور، بنسبة تزيد حوالي 4 مرات على الإناث، وتتمثل أعراضه في:
-
- تجنب الشخص المصاب للتواصل بالعين مباشرة، أثناء التحدث أو النقاش مع أي شخص.
- معاناة الشخص الواضحة أثناء محاولة التعبير عن المشاعر.
- انعدام القدرة على فهم مشاكل الآخرين.
- عدم القدرة على التواصل مع الآخرين.
- الرغبة المُلحة لدى الشخص في العيش وحيدًا، والبقاء في عزلة بعيدًا عن الآخرين.
- عدم اهتمام الشخص بالأمور المحيطة به، مهما بلغت أهميتها.
- الوسوسة المفرطة، وتكرار الأمر أكثر من مرة عند القيام به.
- تحاشي الشخص للنظر إلى الأشياء المحيطة به.
- التزام المريض بروتين محدد، وصعوبة التكيف مع أي تغيير فيه، أو تقبل روتين مختلف عنه.
- الحساسية تجاه اللمس والأصوات، والضوضاء بشكل عام.
أعراض التوحد
تختلف أعراض وعلامات مرض التوحد، من حيث القوة والحدة، وهو ما يُظهر أيضًا الفرق بين التوحد وطيف التوحد، وتتمثل هذه الأعراض الشائعة فيما يلي:
- مواجهة صعوبة بالغة في فهم الشخص لنفسه، كذلك فهم مشاعر وأفكار الأشخاص من حوله.
- الشعور الدائم بـ القلق والارتباك، حيال جميع المواقف الاجتماعية وما يتعلق بها.
- الميل للوحدة، والبقاء في عزلة لفترات طويلة.
- صعوبة تكوين الصداقات، والاختلاط بزملاء العمل.
- الالتزام بالروتين اليومي الثابت، وانعدام الرغبة في تغييره.
- تجنب التواصل البصري بشكل مباشر.
- ارتكاب أفعال غير منطقية، والقيام بالضوضاء في الأماكن التي تتطلب الهدوء والسكون التام.
- الاهتمام بأدق التفاصيل، والانتباه الشديد حيال بعض الأصوات والروائح التي لا يلحظها شخص آخر.
- عدم القدرة على فهم القواعد الاجتماعية.
- اتباع نغمة واحدة ونمط حديث محدد، في. مختلف المواقف الاجتماعية، سواء في المجال العملي، أو مع الأسرة والأصدقاء.
- الاهتمام بالتخطيط والتنظيم، بعناية فائقة وبمنتهى الدقة، قبل القيام بأي عمل، حتى ولو كان بسيطًا في نظر الغير.
- انعدام القدرة على قراءة تعابير الوجه.
- فقدان الشغف تجاه الأشياء.
- التقلبات المزاجية وتداخل مشاعر الفرح مع مشاعر الحزن.
- ضعف الاستجابة للحواس الأساسية للجسم، والعكس صحيح، فمن الممكن أن يصاب بعض الأشخاص بالإفراط في استخدامها.
- عدم القدرة على إدراك الكثير من الكلمات، والمعاني المقصودة منها.
- تيه المشاعر وقساوة القلب.
الأعراض عند الأطفال
- حب الوحدة، والرغبة في البقاء منعزلًا لفترات طويلة.
- تجنب التواصل البصري، والشعور بالتوتر بمجرد أن ينظر إليه الشخص المتحدث.
- عدم القدرة على فهم مشاعره، ومشاعر المحيطين به.
- الدوران بشكل مستمر حول نفسه، مع اتباع أسلوب هز الجسم ورفرفة اليدين بنمط معين.
- البقاء ضمن روتين متكرر ودائم، ورفض كل ما يتعلق بتغيير هذا الروتين.
- تكرار الكلمات والعبارات باستمرار، عند قولها أو حتى سماعها من الآخرين.
- إبداء ردود أفعال غير ملائمة للموقف.
- الحساسية المفرطة أو المنخفضة، تجاه الكثير من الأصوات أو الروائح.
- عدم الاستجابة عند مناداة الطفل باسمه.
- رفض الطفل للمعانقة أو التلامس بشكل عام.
- الحركة العشوائية.
- الإمساك أو الأرق، في بعض حالات التوحد الخفيف.
- خلل في الإدراك.
- بطء الاستجابة والتعلم.
الفرق بين التوحد مقابل طيف التوحد تبعا للأسباب
لا يوجد حتى الآن سبب واضح ومحدد، للإصابة باضطراب التوحد، ولكن العلماء قد توصلوا إلى عدة عوامل، يمكن أن تتسبب جميعها أو أحدها في الإصابة بالمرض، وتشمل هذه العوامل ما يلي:
عوامل مرضية
تعد العوامل المرضية والصحية، من أهم أسباب التوحد، مثل الفطريات والالتهابات، ضعف المناعة، كذلك قلة الأحماض الدهنية، وانعدام قدرة الجسم على طرد السموم، بالإضافة إلى الإصابة ببكتيريا الأمعاء.
عوامل بيئية
توصل العلماء إلى أن تعرض الشخص لبعض العوامل البيئية، يسهم بشكل كبير في إصابته بالتوحد، مثل التعرض لبعض الملوثات البيئية كالرصاص، والزئبق السام.
عوامل وراثية
من أبرز أسباب الإصابة بمرض التوحد، وجود جينات وراثية لدى الشخص، والتي تكون قابلة للإصابة بالمرض إثر إصابة أحد أفراد العائلة به.
عوامل غذائية
تعد العوامل الغذائية أيضًا، مثل سوء التغذية والأنيميا كذلك نقص الفيتامينات والمعادن، من أبرز مسببات مرض التوحد.
عوامل اجتماعية
من العوامل الاجتماعية المؤدية للإصابة بالتوحد، التعرض للإهمال من الأشخاص حولهم، والجفاء في التعامل، كذلك اكتساب بعض السلوكيات، والعادات السيئة من المجتمع، الأمر الذي يحدث تدريجيًا منذ الصغر.
أسباب طيف التوحد
- العوامل الوراثية، إذ تزيد احتمالية إصابة الشخص بطيف التوحد، إذا كان هناك تاريخ مرضي في العائلة.
- الإصابة بحالات طبية معينة، إذ إن الأطفال الذين يعانون من إصابتهم بحالات طبية، تصبح لديهم مخاطر أعلى للإصابة بطيف التوحد، أو بعض الأعراض المماثلة لأعراضه، وتتضمن هذه الحالات التصلب الحدبي، وهو حالة تنمو فيها أورام حميدة على الدماغ.
- الإصابة بمتلازمة ريت، وهي حالة وراثية تصيب الأطفال وتتسبب في تباطؤ نمو الرأس والإعاقة الذهنية.
- الولادة المبكرة، إذ يصبح الطفل المولود مبكرًا أكثر عرضة، للإصابة بطيف التوحد عند كبره.
- كبر عمر الأبوين، إذ رجح بعض العلماء احتمالية أن تكون هناك صلة، بين الأطفال المولودين لأبوين أكبر سنًا، والإصابة بطيف التوحد.
علاج طيف التوحد
رغم الفرق الواضح بين التوحد وطيف التوحد، إلا أن هناك بعض أوجه التشابه بين طرق علاجها، إذ لا يوجد علاج دوائي محدد لهما، ولكن هذا لا ينفي أن سرعة العلاج المبكر، قد تُحدِث فارقًا كبيرًا في حياة الشخص المصاب، خاصةً الأطفال، وهو دور العلاج النفسي والسلوكي، الذي يجب أن يُتَبع من قبل الأسرة أولًا، ثم المجتمع المحيط والطبيب المختص، الأمر الذي يتم من خلال عدة خطوات تتمثل فيما يلي:
تحليل السلوك التطبيقي
يعد التحليل التطبيقي من أكثر العلاجات الفعالة المستخدمة، في علاج اضطراب طيف التوحد، الأمر الذي يتم من خلال سلسلة متخلفة من التقنيات، تهدف إلى تشجيع السلوكيات الإيجابية لدى المريض، مقابل تحفيزه ومكافأته بعدة طرق.
اتساق نهج العلاج
في حالة كان أحد أفراد أسرتك مصابًا بطيف التوحد، فمن الضروري جدًا أن تتأكد من اتساق نهج الخطة العلاجية، سواء كان ذلك داخل المنزل أو خارجه، حيث يتوجب عليك توجيه جميع أفراد الأسرة، كذلك الأصدقاء وزملاء العمل، مما يمكنك من وضع خطة علاجية محكمة، إذ تعد النفسية والأجواء السليمة من أهم عوامل نجاح الخطة.
النهج السلوكي المعرفي
يعد اتباع النهج السلوكي المعرفي، من أبرز العلاجات النفسية، إذ يركز بشكل عام على التحدث مع المريض، ومساعدته على معرفة الروابط المشتركة بين أفكاره ومشاعره وسلوكياته، مما يسهم في زيادة قدرته لإدارة القلق والتوتر، والتعامل بشكل أفضل في جميع المواقف الاجتماعية، بالإضافة إلى مساعدته على تحديد أفكاره، التي من شأنها إثارة سلوكياته السلبية.
التدرب على المهارات الاجتماعية
يعد التدرب وتعزيز المهارات الاجتماعية، من أهم الوسائل المتبعة أيضًا في علاج اضطراب طيف التوحد، إذ تسهم هذه الطريقة في تعزيز ثقة المرضى بنفسهم، الأمر الذي يؤدي بالتبعية إلى تحسين تفاعلهم وتواصلهم، مع جميع الأشخاص المحيطين بهم في بيئتهم، وزيادة التواصل وإجراء المحادثات معهم، بالإضافة إلى القدرة على فهمهم وفهم مشاعرهم.
العلاج المهني
يتم الاعتماد في هذه الخطوة على تعلم المهارات الأساسية، التي يحتاجها المريض في حياته اليومية باستمرار، مما يساعده في تطوير قدرته على إدارة مهاراته المستقلة، مثل التنظيف والطهي، كذلك الاعتناء بالنفس.
وهو الدور الفعال الذي تلعبه الأسرة والأصدقاء، وزملاء العمل أيضًا، إذ يصبحون بمثابة دافع قوي للشخص المصاب، يساعدونه على زيادة التواصل وتحسين علاقاته الاجتماعية، كذلك تكوين صداقات جديدة، وتحسين كفاءته المهنية المتعلقة بوظيفته.
علاج التوحد
التحليل السلوكي
عندما نتحدث عن الفرق بين التوحد وطيف التوحد من جهة العلاج، نجد أن علاج التوحد في هذه المرحلة يعتمد على الاتصال والعلاجات السلوكية، بعد تشخيص وتحليل أفعال الشخص المصاب، سواء كان بالغًا أو طفلًا، كذلك تحليل السلوكيات الطارئة عليه، الأمر الذي يتم من خلال وضع برامج مختلفة، تهدف إلى معالجة الكثير من الصعوبات، الاجتماعية والسلوكية واللغوية، والتي تكون مرتبطة بالتوحد، كما تركز هذه البرامج على الحد من السلوكيات المثيرة للمشاكل، بالإضافة إلى تعليم الشخص عدة مهارات جديدة، من خلال أنظمة التحفيز القائمة على المكافآت.
العلاج اللغوي
يعد العلاج اللغوي من أهم الوسائل المتبعة، لعلاج مشاكل النطق المتعلقة بمرض التوحد، حيث يهدف إلى تحسين المهارات اللغوية عند الشخص المصاب، الأمر الذي يتم من خلال التعاون المستمر بين الأهل والمعلمين، كذلك الأطباء المعالجين، كفريق متكامل يسهم في تطوير وتحسين قدرات الطفل، ويساعده على تخطي الأعراض الطارئة عليه، وفق الخطة العلاجية المقترحة، والتي تصب في مصلحة المريض بحسب خبرات الجميع.
تطوير العلاقات الاجتماعية
تهدف هذه الطريقة إلى مساعدة الشخص المصاب، على تخطي أعراض العزلة والوحدة التي يشعر بها، من خلال إقحامه في العديد من النشاطات والتفاعلات الاجتماعية، الأمر الذي يسهم بشكل سريع في تطوير سلوكياته، ومهاراته الاجتماعية أيضًا.
العلاج الحسي
يستند العلاج الحسي إلى نظرية جان إيريس، وهي النظرية التي تستخدم في علاج أعراض التوحد، حيث تسهم هذه العملية العصبية في دمج ومعالجة المعلومات الحسية، بهدف تنظيم السلوك والعاطفة، كذلك التعلم والمشاركة في الحياة اليومية.
العلاج الأسري
يلعب العلاج الأسري دورًا هامًا جدًا، في علاج أعراض مرض التوحد، وهو ما يتم عن طريق الآباء وجميع أفراد الأسرة، من خلال فهم كيفية التعامل والتفاعل مع المريض، باستخدام بعض الطرق المحفزة للمهارات الاجتماعية، ومعالجة المشكلات السلوكية.
بالإضافة إلى تعلم المهارات اليومية، وتغيير الروتين نحو الأفضل، كما يوصي الأطباء أيضًا باتباع العلاج السمعي، للفت انتباه الأشخاص المصابين، وتعزيز قدرتهم على التواصل السمعي مع الآخرين، كذلك اتباع العلاج الطبيعي، لتحسين الحركة والتوازن لدى الأطفال، إذ تعد هذه الطريقة من الوسائل المفيدة جدًا، لعلاج المشاكل السلوكية والتغلب عليها.