الملك فاروق آخر ملوك المملكة المصرية وآخر من حكم مصر من الأسرة، العلوية واستمر حكمه مدة 16 عاما إلى أن أطاح به تنظيم الضباط الأحرار في ثورة 23 يوليو وأجبره على التنازل عن العرش لابنه «أحمد فؤاد» والذي كان عمره حينها 6 أشهر والذي ما لبث أن عزل في 18 يونيو 1953م وتم تحويل مصر من ملكية إلى جمهورية، وبعد تنازله عن العرش أقام فاروق في منفاه في روما وكان يزور سويسرا وفرنسا وقد توفي بروما في 18 مارس 1965م ودفن أولا بمقابر إبراهيم باشا بمنطقة الإمام الشافعي ثم نقل رفاته في عهد السادات إلى المقبرة الملكية بمسجد الرفاعي بالقاهرة وذلك تنفيذا لوصية الملك فاروق.
المولد والنشأة
ولد الملك فاروق بن فؤاد بن إسماعيل بن إبراهيم بن محمد علي باشا في يوم 11 فبراير سنة 1920م، وقد صدر بيان سلطاني يعلن فيه مجلس الوزراء عن ميلاد الملك فاروق في قصر عابدين وقد أطلقت 21 طلقة مدفع فرحا بمولد الملك فاروق وأخذ موظفو الحكومة والبنوك إجازة بل وتم العفو عن بعض المسجونين ووزعت الصدقات.
كان الملك فاروق الابن الأكبر لوالديه الملك فؤاد الأول والملكة نازلي وله أربع شقيقات وهن «الأميرة فوزية بنت فؤاد الأول- الأميرة فايزة بنت فؤاد الأول- الأميرة فائقة بنت فؤاد الأول- الأميرة فتحية بنت فؤاد الأول»، كما أن الملك فاروق كان له إخوة غير أشقاء من زوجة أبيه الأميرة شيوه كار والتي طلقها الملك فؤاد في عام 1898م وهما «الأمير إسماعيل بن فؤاد الأول» والذي توفي في عام 1897م وكان عمره أقل من سنة و«الأميرة فوقية بنت فؤاد الأول».
اهتم الملك فؤاد بتربية ابنه الملك فاروق بدرجة مبالغ فيها من الحرص فقد جعله محاصرا بدائرة ضيقة من المتعاملين معه، وكانت تلك الدائرة هي أمه وأخواته الأميرات بالإضافة إلى المربية الإنجليزية «مس إيناتايلور» وكانت هذه المربية صارمة جدا مع الملك فاروق في التعامل وكانت متسلطة لدرجة أنها تعترض على تعليمات والدة الملك فاروق الملكة نازلي فيما يختص بتربية فاروق.
أطلق الملك فؤاد لقب «أمير الصعيد» في 12ديسمبر 1933م على الملك فاروق وأصبح وليا للعهد وهو ما زال صغير السن لذا كان الملك فؤاد ينتهز أية فرصة ليقدم الأمير الصغير إلى الشعب الذي سيكون ملكا عليهم، ولذلك كان يصطحبه معه في عدة مناسبات كان أولها حفل المرشدات في النادي الأهلي وذلك في 7 أبريل 1932م وكان عمر الملك فاروق 12 عاما فقط، بل والأكثر من ذلك أنه أناب الأمير الصغير في حضور حفلة رسمية في سلاح الطيران البريطاني في 23 فبراير 1934م وقد أبلى الملك فاروق بلاء حسنا في كافة المناسبات التي حضرها.
الملك فاروق في مرحلة الشباب
عندما بلغ الملك فاروق سن الرابعة عشر طلب السير «مايلز لامبسون» مرة أخرى من الملك فؤاد ضرورة سفر فاروق إلى بريطانيا للدراسة في كلية «أيتون» وهي أرقى كلية هناك، بينما كان رأي الملك فؤاد تأجيل سفره حتى السادسة عشر ولكن وافق فؤاد في آخر الأمر وقرر سفر الملك فاروق إلى بريطانيا، ودرس فاروق بكلية «وولتش للعلوم العسكرية»، ولكن كان من شروط الالتحاق بهذه الكلية بلوغ سن الثامنة عشر لذا تم الاتفاق أن يكون تعليم فاروق خارج الكلية على يد مدرسين من نفس الكلية.
رافق الملك فاروق خلال سفره أحمد حسنين باشا رئيسا للبعثة والذي كان له دور كبير في حياته بعد ذلك بالإضافة إلى عزيز المصري كبيرا للمعلمين وعمر فتحي حارسا للأمير والدكتور عباس الكفراوي كطبيب خاص وصالح هاشم أستاذ اللغة العربية وحسين باشا حسني كسكرتير خاص، ومن الجدير بالذكر أن أحمد حسنين باشا كان يشجع الملك فاروق على الذهاب إلى المسارح والسينما ومصاحبة النساء وكذلك لعب القمار، وعلى العكس من ذلك كان عزيز المصري دائم الاعتراض على هذه التصرفات، وكان يحاول بكافة الطرق أن يجعل فاروق رجلا عسكريا ناجحا ومؤهلا ليكون ملكا لمصر بعد ذلك.
ونظرا لظروف نشأة فاروق الصارمة والقاسية فقد كان فاروق يميل إلى أحمد حسنين ويرفض ويتمرد على تعليمات وأوامر عزيز المصري، وفي هذه الفترة وأثناء ما كان فاروق في بريطانيا للدراسة اشتد المرض على الملك فؤاد وأصبح على فراش الموت، ونظرا لقلق بريطانيا من هذا الوضع اقترحت تشكل مجلس وصاية يتكون من ثلاثة أعضاء وهم «الأمير محمد علي توفيق» وهو ابن عم الملك فاروق وكان ذا ميول إنجليزية ويرى نفسه دائما أنه الأحق بعرش مصر والثاني هو «محمد توفيق نسيم باشا» وهو رئيس الوزراء الأسبق والثالث هو الإمام الأكبر «الشيخ المراغي»، ولما علم فاروق بشدة مرض والده قرر الرجوع إلى مصر ولكنه رجع بعد وفاة والده.
توليه الحكم
عاد الملك فاروق إلى مصر بعد وفاة والده وذلك يوم 6 مايو لسنة 1936م وهو التاريخ الذي اتخذ فيما بعد التاريخ الرسمي لجلوسه على العرش، ونصب ملكا على البلاد خلفا لوالده وذلك وفقا لنظام توارث عرش المملكة المصرية في بيت محمد علي الذي وضعه الملك فؤاد بنفسه بالتفاهم مع الإنجليز، حيث تنص المادة الثامنة في نظام وراثة العرش على أنه «يبلغ الملك سن الرشد إذا اكتمل له من العمر ثماني عشرة سنة هلالية»، وكما نصت المادة التاسعة على أنه: يكون للملك القاصر هيئة وصاية للعرش لتولي سلطة الملك حتى يبلغ سن الرشد، وأما المادة العاشرة فقد حددت طريقة تشكيل مجلس الوصاية كما يلي:
«تؤلف هيئة وصاية العرش من ثلاثة يختارهم الملك لولي العهد القاصر بوثيقة تحرر من أصلين يودع أحدهما بديوان الملك والآخر برئاسة مجلس الوزراء، وتحفظ الوثيقة في ظرف مختوم ولا يفتح الظرف ولا تعلن الوثيقة إلا بعد وفاته وأمام البرلمان» ويجب فيمن يعين في هيئة الوصاية أن يكون مصريا مسلما وأن يختار من الطبقات الآتي ذكرها:
- أمراء الأسرة المالكة وأصهارهم الأقربون.
- رؤساء مجلس النواب الحالي والسابقون.
- الوزراء أو من تولوا مناصب الوزراء.
- رئيس وأعضاء مجلس الأعيان وكذا رؤساؤه السابقون وهذا إذا نص الدستور على إنشاء مجلس أعيان.
على أن هذا الاختيار لا ينفذ إلا إذا وافق عليه البرلمان، وعلى ذلك فقد تم إسناد مهام الملك إلى مجلس الوصاية الذي اختاره الملك فؤاد قبل وفاته، والذي كتب الملك فؤاد أسماءهم في وثيقة من نسختين طبق الأصل أودعت إحداهما في الديوان الملكي وأودعت الأخرى في البرلمان.. وقد تم فتح الوثيقتين والتأكد من مطابقتهما في جلسة برلمانية في 8 مايو 1936 تم فيها تسمية مجلس الأوصياء على العرش وهم :
- . الأمير محمد علي توفيق أكبر أمراء الأسرة العلوية سنًا والذي أصبح وليا للعرش كذلك وظل يشغل هذا المنصب حتى ولادة ابن فاروق الأول أحمد فؤاد
- . شريف صبري باشا (شقيق الملكة نازلي أي خال الملك فاروق)
- . عزيز عزت باشا (وزير الخارجية وقتها وكان أول سفير لمصر لدى المملكة المتحدة)
و منذ توليه الحكم عين الدكتور حسين باشا حسني سكرتيرا خاصا له وحتى تنازله عن العرش، واستمرت مدة الوصاية ما يقارب السنة وثلاثة أشهر إذ أتم الملك فاروق 18 سنة هلالية في 29 يوليو 1937م، وعليه فقد تم تتويجه يومها رسميا كملك للبلاد وتولى العرش منفردا دون مجلس وصاية.
استقبل الشعب المصري كله الملك الشاب استقبالا رائعا نابعا من قلوب المصريين الذين أحبوا الملك الشاب وكانت القلوب كلها تعطف عليه لحداثة سنه ولوفاة أبيه وهو بعيد عنه وفي بلاد غريبة واستبشروا بقدومه خيرا بعد عهد أبيه الذي كان ينظر إليه على أنه ملك مستبد وموال للإنجليز.