إن لم تكن قادرًا على إيقاف انتقادات الصحافة، دعهم يقوموا بعملك بدلًا منك.
فشلت البرازيل في كأس العالم 1966 في عبور دور المجموعات بعد خسارتين أمام كلا المنتخبين البرتغالي والمجري، وفوز يتيم على المنتخب البلغاري. وترجع مبررات هذا الفشل إلى استخدام المنتخبات السالف ذكرها كافة للعنف عند التعامل مع نجوم السيليساو مثل: بيليه جارينشا، توستاو وغيرهم.
الشارع البرازيلي الغاضب كان مُحقًا بكل تأكيد، لأنّه حتى وإن كان قد صُدم بالسابق عند الخسارة ضد الاوروغواي في نهائي مونديال 1930، لم تكن البرازيل وقتئذٍ أحد عمالقة اللعبة، على عكس عام 1966، حين كان المنتخب حاملًا للقب كأس العالم في مناسبتين؛ 1958 و1962 على التوالي.
ظروف مضطربة

عقب تتويج البرازيل بكأس العالم 1962 دون الحاجة لخدمات المهاجم الأسطوري بيليه تقريبًا، ارتفعت توقعات الجماهير والصحافة البرازيلي بشكلٍ غير مسبوق، الأمر الذي لم يستطع المدير الفني أيموري موريرا تحمله، ليتولى تدريب المنتخب كل من فيسنتي فيولا وماريو زاجالو خلال الفترة من 1962 إلى 1967 قبل أن يعود موريرا مجددًا للإشراف على المنتخب.
كانت مشكلة موريرا، الذي كان بمثابة طوق النجاة للاتحاد البرازيلي، هو استهلاك لاعبيه بجدول مباريات مكثَّف من جهة، واستهلاكه ذهنيًا بالضغط الإعلامي من جهة أخرى.
في صيف عام 1968، تمرد المدرّب، ورفض اللعب في كأس أوزفالدو كروز (وهي بطولة شاركت فيها البرازيل وباراغواي فقط)، كما رفض لعب وديتين ضد الأرجنتين.
وقتئذٍ، قرر الاتحاد أن يتحايل على تمرُّد هذا المدرب، الذي وصفته الصحافة البرازيلية بالجبان، حيث لعب تشكيل منتخب ولاية ساو باولو البرازيلي وكأنه المنتخب البرازيلي ضد كل من باراجواي والأرجنتين. وفي خريف نفس العام، ظهر فريق أتليتيكو مينيرو بأقمصة منتخب البرازيل ليلعب ودية جديدة ضد منتخب يوغوسلافيا.
كان رفض موريرا منطقيا؛ لأنه لم ير داعٍ للمشاركة في مثل تلك المباريات، بينما كان الاتحاد من جهته يبحث عن المزيد من العوائد المالية مقابل مشاركة نجومه البارزين في مثل تلك المواجهات.
المنتخب عبارة عن مجموعة من الأبقار التي يتم حلبها بشكل منتظم.
سالدانها.
كان صحفي يدعى سالدانها هو أساس الحملة الصحفية الموجهة ضد الاتحاد البرازيلي لكرة القدم، قبل نحو عام من انطلاق منافسات كأس العالم 90. ومجددًا لجأ جواو هافيلانج، رئيس اتحاد كرة القدم، لحيلة خبيثة؛ وهي إقالة موريرا، وتعيين الصحفي جواو سالدانها، مديرًا فنيًا جديدًا لمنتخب البرازيل.
يساري في زمن الدكتاتور
المثير، أن تعيين سالدانها كان في زمن حكم إميليو غاراستازو ميديسي، رئيس البرازيل ذو الخلفية العسكرية، وهو ما يتعارض كليًا مع توجهات سالدانها منذ أن كان مراهقًا.
منذ أن كان في سن السادسة، ساعد سالدانها والده في نقل الأسلحة عبر الحدود بين البرازيل وباراغواي، وفي سن 17، انضم إلى الحزب الشيوعي وسرعان ما أصبح زعيم منظمة طلابية، وحين بلغ 19 عاما قام بتغطية أحداث الصراع الصيني الياباني كصحفي، وكذلك عملية إنزال نورماندي. قبل أن يعود إلى البرازيل مقررا أن يتبنى الصحافة الرياضية بدلا من السياسة.
في الواقع، لعب سالدانها كرة القدم في فترة شبابه، حيث أمضى عدة مواسم في فريق الشباب في بوتافوغو حتى وصل إلى الفريق الأول. ومع ذلك، فضل سالدانها الصحافة على كرة القدم.
كانت لديه أيضا خبرة في التدريب. في أواخر الخمسينات، وعن طريق الصدفة، تم تعيينه مدربا مؤقتا لبوتافوجو واستمر في منصبه لمدة عامين حيث فاز مع الفريق ببطولة ولاية ريو دي جانيرو عام 1957.
صانع المتعة الحقيقي
على الرغم من أن تعيين صحفي في منصب المدير الفني لمنتخب مثل البرازيل يعد مجازفةً غير محسوبة، تحوَّل المنتخب المضطرب إلى آخر ممتع فجأة، والأهم أنه كان منتخبًا شرسًا، يسعى للفوز ولا شيء آخر.
لا أقود أحد عشر سيدة بل أحد عشر رجلًا مفترسًا.
وبما أنّه يعد زميل سابق لمعظم الصحفيين، نال سالدانها الإشادات تباعًا، حتى وصف المنتخب البرازيلي أثناء إشرافه عليه بمنتخب الأحد عشر مفترسًا.
في الواقع، لم يكن سالدانها يهتم بالتكتيك، ولم يطالب حتى بأن تمنحه الصحافة لقب مثل مدرب تكتيتي؛ لأنه كان يرى أن عمله متوقف على قدرات لاعبيه، بالتالي إذا لم تعمل أفكاره، على اللاعبين تغيير طريقة اللعب من تلقاء أنفسهم داخل الملعب لتحقيق الفوز.
نجحت الحرية المشروطة بالشراسة في فوز منتخب البرازيل تحت قيادته بـ13 مباراة متتالية، وتسجيل نحو 50 هدفا، واستقبال 9 فقط.
أكره بيليه والرئيس
كان جوان سالدانها ظاهرة مختلفة على المجتمع البرازيلي آنذاك، كان صريحًا، معارضًا لرغبة رؤساء الأندية في التحكُّم في قرارات المدربين. كما أنّه كان شيوعيًا يكره البرجوازية، بل لم يكن يخشى التصريح بصداقته براؤول كاسترو، أحد قادة الثورة الكوبية وشقيق الزعيم الكوبي فيدل كاسترو.
طبقا لوثائقي من إنتاج شركة نتفلكس، يعتقد بيليه، أن سالدانها رجلًا لا يفقه أي شيء في كرة القدم. وحقيقةً يبدو أنّه يمتلك وجهة نظر، فقبل كأس العالم 1970، انتشرت بعض الأخبار عن نية سالدانها في للإطاحة ببيليه من تشكيل السامبا، بحجة أنّ اللاعب الأهم في تاريخ البرازيل يعاني من مشاكل في الإبصار.
وكان رئيس البرازيل، إميليو غاراستازو ميديسي، أبرز أعداء المدرب، حيث كان ميديسي جنرالا، وتعتبر فترة الخمس سنوات من حكمه ذروة الديكتاتورية العسكرية، حيث التزمت البرازيل بوجهات النظر اليمينية، وعانت من حالة من الاعتقالات الجماعية، والفصل العنصري، وهو ما رفضه سالدانها دون مواربة.
ربما كان تدخُّل رئيس البرازيل في عمل المدير الفني القشة التي قصمت ظهر البعير، قبل انطلاق كأس العالم بفترة وحيزة، قرر ميديسي أن يشارك في تدريبات المنتخب الذاهب إلى المكسيك، مطالبًا المدرب بموازنة تشكيله بين البيض والسود، كما طالبه بضرورة ضم مهاجمه المفضل دادا مارافيلو، لاعب أتليتيكو مينيرو.
وقتئذ، لم يكتف جوان سالدانها بالرفض، بل صرّح للصحافة قائلا: الرئيس لا يأخذ رأيي عند تشكيل حكومته، بالتالي لا يمكنه الإدلاء برأيه في تشكيل فريقي.
في الواقع، لم يكن جواو هافيلانج قادرًا على إقالة سالدانها في هذا الوقت العصيب؛ لأنه ربما كان محقًا. بالتالي انتظر فرصة مناسبة.
بعد انتهاء إحدى المباريات الودية مع فريق برازيلي يعرف بـبانغو بالتعادل بهدف لمثله، اعتبر هافيلانج أن التعادل ذريعة كافية لإقالة سالدانها بسبب ما عرّفه بالنتائج غير المرضية.
كان سالدانها محبًا لكرة القدم البرازيلية بالفعل؛ لم يخرج منتقدًا قرار إقالته، بل حث الجماهير عبر بيان إذاعي على التكاتف حول المنتخب، الذي استطاع بقيادة نجمه بيليه ومدربه الجديد القديم ماريو زاجالو، تحقيق لقب كأس العالم للمرة الثالثة خلال 12 عاما.
المصادر: