نسمع كثيرا عن سيارات هوندا، التي غزت العالم منذ عقود طويلة، إلا أن قصة إنشاء شركة السيارات الآسيوية تلك، بما تحمل من إلهام وكفاح من مؤسسها، سويتشيرو هوندا، هي ما نحتاج جميعا إلى معرفتها والتعلم منها حقا.
بداية متعثرة
في ثلاثينيات القرن الماضي، وبينما كان العالم يعاني من ويلات الانهيارات الاقتصادية والحروب المشتعلة، لم تكن اليابان أحسن حالا من غيرها، إذ عانت كذلك من أزمات طاحنة، شهدها سويتشيرو هوندا منذ طفولته، وحتى كبر وأصبح شابا حالما بالنجاح.
بدأ هوندا في السعي وراء حلمه، منذ كان طالبا بالمدرسة، وحتى تخرج وأنشأ ورشة عمل صغيرة، من أجل تطوير أطواق مكابس السيارات، حيث حلم ببيع فكرته لشركة تويوتا الأكثر شهرة حينئذ، لتحقيق النجاح والكسب المادي، الذي أصبح يحتاجه بشدة مع زواجه.
كان هوندا يعمل ليلا ونهارا، بل كان أحيانا ما يداهمه النوم داخل ورشته الصغيرة، فكان الحلم بداخله يكبر يوما بعد الآخر، لذا قرر مع احتياجه للأموال رهن مجوهرات زوجته، انتظارا ليوم يبيع فيه فكرته، ويحصد الأموال اللازمة لتعويضها، إلا أن الرياح كعادتها أتت بما لا تشتهي السفن، حين رفضت تويوتا فكرته، مدعية أنها لا تتناسب مع معاييرها الصعبة، فيما تعرض التصميم الذي ابتكره للسخرية من جانب زملائه المهندسين، ما أحزنه قليلا لكنه لم ينسيه حلمه.
عودة ثانية وصراعات لا تنتهي
بعد عامين من إعادة تصميم أطواق المكابس، عاد هوندا لشركة تويوتا، إلا أن النهاية كانت مختلفة تلك المرة، حيث وافقت الشركة على توقيع العقود معه، ليبدأ سويتشيرو رحلة من الكفاح والقتال لم يتخيل أحدا صعوبتها، في البداية واجه الشاب الصغير صعوبة في بناء مصنعه الصغير، لذا ابتكر طريقة مختلفة لصنع الخرسانة، ساعدته على تشييد مصنعه بأقل التكاليف.
هنا ظن الجميع بمن فيهم هوندا، أن الأمور بدأت تتحسن، إلا أن الصدمة الحقيقية تمثلت هنا في انهيار المصنع، نتيجة وقوع أحد الزلازل المدمرة في اليابان، التي جعلت الشاب المقاتل فجأة يشعر بأنه عاد لنقطة الصفر، إلا أنه كالعادة لم يستسلم لأحزانه، التي كانت من الممكن أن تجهز عليه تلك المرة، مع النقص الحاد بالوقود الذي عاشته اليابان في الحرب، إلا أنه تمكن من الاستفادة من الأمر على طريقته الخاصة.
رأى هوندا اليابانيون وهم يعتمدون على الدراجات للتنقل، فاستخدم دراجة صغيرة هو الآخر، ولكن بعد أن زودها بمحرك صغير، جذب أنظار الجميع من حوله، ودفعهم لمطالبته بواحد مثله، فماذا يفعل سويتشيرو إذن وهو لا يمتلك المعدات اللازمة لكل تلك الأعداد؟
راسل سويتشيرو هوندا أكثر من 18 ألف رجل من أصحاب محال الدراجات، حيث طالبهم بمساعدته من أجل إنعاش الوضع الياباني، فرد القليل منهم، ولكن بنصائح أفادته كثيرا من أجل تصميم محركات صغيرة بأقل التكاليف، وبالفعل نجحت المحركات زهيدة الأسعار في العمل، وانتشرت عبر البلاد، للحد الذي دفع هوندا لتصديرها لدول أوروبية عدة.
سيارات هوندا
لم يكتف هوندا بالنجاح الذي حققه، بل استفاد من أزمة نقص الوقود التي ضربت الولايات المتحدة تلك المرة، في سبعينيات القرن الماضي، والتي جعلت الجميع يتجه للسيارات الصغيرة حجما، وهنا كانت الفرصة الحقيقية للرجل العبقري، حين صمم سيارات هي الأصغر فعليا، وقام بتصديرها لبلاد العم سام، لتلقى نجاحا منقطع النظير هناك.
تحول هوندا من رجل أعمال مكافح، لعملاق في مجال السيارات، فاليوم يبلغ عدد موظفي شركته في الولايات المتحدة واليابان، نحو 100 ألف شخص، والفضل يعود إلى رجل نجح لأنه لم يضع الفشل للحظة ضمن اختياراته، بل ولم يتوقف عن العمل يوما حتى وافته المنية في عام 1991، بعد عقود من الكفاح وإثبات الذات.