تعد نقاشات كرة القدم إحدى أكثر المساحات التي تحتمل الرأي والرأي الآخر، ربما لأنها علم غير صحيح، غير قابل للقياس، ولا يخضع للتجربة.
الرأي في كرة القدم، غالبًا لحظي، وحتى وإن لم يكن كذلك، فهو لا يحكي كامل الحقيقة، لأن المشجعين لا يعلمون كافة التفاصيل التي تدور بمحل الحدث، ربما من هنا تأتي متعة نقاشات المقارنة، حتى وإن كانت ساذجة، لأنه يمكن لأي طرف إظهار ممثله بأنه الأفضل، فتتوه الحقيقة، فينتصر من ينتصر، ويخسر من يخسر، ثم نعيد الكرّة من جديد.
حين يتم ذكر اسم سيرجيو راموس، يظهر فصيلان من البشر، لا ثالث لهما، الأول يكرهه كما يكره الإنسان العمى، أما الثاني فيحبه كأنه نجله الذي سيحمل جيناته من بعده، في حالة راموس تحديدًا لا حلول وسطى، بل اختلاف يفسد أحيانًا للود قضية، لأن المساحة بين الآراء حول مدافع ريال مدريد وقائده شاسعة، لا يمكن وضعها بإطار قياسه ممكن، فإما تسحب مسيرته كاملةً لأقصى اليمين أو أقصى اليسار.
سيرجيو الجوكر
مبدئيًا؛ نعلم جميعًا أن الدولي الإسباني هو أكثر من تعرّض للطرد في تاريخ الدوري الإسباني وتاريخ دوري أبطال أوروبا في إنجاز ‑سيئ السُمعة- لم يسبقه إليه أحد، إذن يجب علينا أن نطرح سؤالًا بديهيا لا يمكننا استكمال الحديث من دونه.. كيف يمكن أن يتم تقدير لاعب يخترق القوانين دون أن يكترث؟
يخبرنا علم النفس أننا أحيانًا قد نتحيّز للأشرار، لأنهم يمتلكون دوافع تشبه التي نمتلكها، على عكس الأبطال المثاليين الذين لا يرتكبون أية أخطاء أخلاقية، بالتالي يمكن إذا تعرّفنا على دوافع «الجوكر» لتدمير جوثام أن نتعاطف معه، وربما تنهال تصفيقات الحضور داخل السينمات متأثرةً بإحدى ضحكاته المتقطعة الشريرة، فقط لأننا أدركنا أنه ضحيّة لنشأة حولته لهذا الشخص الذي أمامنا.
بذكر الدوافع؛ قصّت كاموي ‑والدة راموس- حكايته مع كرة القدم منذ أن كان طفلا بإحدى المقابلات مؤكدة أن سيرجيو لم يكن يطمح لأن يكون لاعب كرة قدم من الأساس، لكنه أراد أن يتشبه بأقرانه الذين يسكنون «كاماس»، كمصارع للثيران، حيث وجد في مشاهد العنف داخل الحلبات رومانية الشكل شيئًا جذب انتباهه.
قوبل طلب راموس بالرفض من عائلته من منطلق الخوف على نجلهم الصغير، ليتحول للعب كرة القدم، حيث أصرت الوالدة على أنه يمكنه أن يصل بها إلى شهرة قد تتجاوز كونه ماتادورًا إشبيليًا عظيمًا.
سيرجيو الذي يعرف الحقيقة
منذ إطلالته الأولى كلاعب لريال مدريد وحتى اللحظة الحالية، كان راموس واضحًا جدًا بشأن نواياه، فقد كرر طوال 14 عامًا على أنه لطالما حلم بأن يصبح لاعبًا وقائدًا لريال مدريد، وحتى بعد أن حظي بشرف كهذا، ظل متمسكًا بنفس الفكرة، وهي أن ينهي حياته بكرة القدم وهو يمثل ريال مدريد، يدافع عن شعاره مهما كلفه ذلك من تضحيات.
أثناء هذه الرحلة الشيقة الخاصة بالشاب الوسيم صاحب الشعر المتدلي ‑سابقًا- انتهز سيرجيو كل فرصة متاحة لفرض اسمه داخل أرض الملعب، فلم يتوان حين طولب بأن يتحول من مركزه الأصلي كظهير أيمن إلى مركز مدافع الوسط، كما لم يبد اعتراضًا على رغبة مدربه السابق كارلو أنشيلوتي، في أن يلعب كارتكاز، بل إنه ظهر بمستويات تتأرجح ما بين الجيدة والممتازة بكل تلك المراكز.
لنتحلى بالمزيد من الموضوعية، إمكانيّات راموس وفنياته كمدافع هي آخر ما يتم النظر إليه عند تقييمه، لذا قد تشعُر بأن الفقرة السابقة تملقًا لنجم شهير، والحقيقة هي أن مدى صلابة اللاعب الدفاعية ليست ما يشغلنا الآن، حتى وإن كان جيدًا كمدافع على أقل تقدير، المعضلة تبدأ حين يتم ابتذال باقي أدوار راموس داخل أرض الملعب.
راموس يشبه فريق ريال مدريد وجمهوره جدًا، جميعهم متطلب، يسعى للفوز بأي طريقة ممكنة، وبما أن الإدارة والجماهير من خلفها ستشيد بكل من يمنح لهم الفوز، لذا ستجد القائد يتقدّم الصفوف لتسجيل هدف العاشرة، أو الحادية عشرة، حتى وإن كلفه ذلك أن يترك صميم عمله وهو الدفاع عن مرماه، لماذا؟ لأنه يعرف الحقيقة، والحقيقة هي أن النادي الذي تأسس لحصد البطولات لن يكترث سوى بالبطولات وحسب.
راموس الشرير في رواية أحدهم
بالطبع يتنافى أسلوب راموس في لعب كرة القدم مع مبادئها التي تحث على عدم العنف، الغش وحتى الخداع، وربما يعلم سيرجيو هذا الأمر أيضًا، لكنه بشكل ما قرر أن يصنع هجينًا من كل الحماقات التي يمكن أن يرتكبها عاقل بمسيرة واحدة.
قد تعتقد بأن في ذلك اتهامًا لراموس أو من يشبهونه، لكن دعنا نخبرك أمرًا هامًا، في الغالب، راموس نسخة لاعب كرة قدم فريد من نوعه، فكل الأشرار الذين سبقوه، انتهت حياتهم وهم داخل خانة الفشل، أما راموس فهو شرير، لكنه أنجح شرير على الإطلاق.