بينما بلغ كالفين جراهام عامه الـ11، بدأ الطفل شديد الذكاء في الادعاء بكبر سنه، مستغلا قامته الطويلة وملامحه الرجولية، فحلق شعر رأسه، وتمرن على تقوية نبرة صوته، ليس فقط للتسلية، بل ليخدع الجيش الأمريكي وينضم إليه خلال الحرب العالمية الثانية!
طفل محارب
هي قصة أغرب من الخيال، ولا يمكن لها أن تحدث إلا في أربعينيات القرن الماضي، عندما كان من السهل أن تزور الإمضاءات، وتخدع الجميع فيما يخص هويتك، حتى وإن كانوا مسؤولي الجيش الأمريكي، الذين صدقوا بالفعل أن كالفين جراهام ابن الـ11 عاما، هو شاب يتجاوز الـ16.
لم يكن كالفين طفلا عاديا، بل حمل من الصغر آمالا وطموحات مختلفة تماما عمن هم في مثل سنه، لذا كان من المتوقع ألا يكون تقليده للكبار شكلا وموضوعا، بغرض التسلية وتمضية الوقت فحسب، بل حلم بالانضمام للجيش الأمريكي ليقاتل معهم إبان الحرب العالمية الثانية، ما تحقق له بالفعل في غضون أشهر بسيطة، حيث أقنع كالفين الصغير والدته بأنه ذاهب لأقاربه، وتمكن الطفل الداهية من تزوير توقيعها، ثم من سرقة ختم كاتب العدل من أحد الفنادق المحلية، ليتقدم بأوراقه للجيش الأمريكي من أجل الانضمام لصفوفه.
تقدم كالفين للجيش معتقدا أن تزوير الأوراق كان المهمة الأصعب التي سيواجها، إلا أنه أدرك لاحقا أن الأزمة تكمن في طبيب الأسنان الذي سيكتشف ببساطة عند الكشف على أسنانه صغر سنه، لذا لجأ كالفين لحيلة بسيطة لتجاوزه، فبينما كان ينتظر دوره للدخول، علم الطفل المحتال أن الشاب الذي يقف أمامه لا يزيد عمره عن الـ15 عاما، لذا قام بشكواه للطبيب، الذي سمح لكالفين بالمرور دون أن يخضع للكشف، حتى لا تتطور المشادة العنيفة التي حدثت بينه وبين المراهق الغاضب من الشكوى، لينجح كالفين بغرابة شديدة في تجاوز الكشف الطبي، والالتحاق بجيش بلاده.
في قلب المعركة
بالطبع لم يكن ابن الـ12 حينئذ جاهزا للقتال، إلا أنه وبعد مرور عدة أشهر من الخضوع للتدريبات القاسية، تمكن كالفين من الالتحاق بإحدى سفن الحرب الأمريكية، ما كان بمثابة الحلم الذي يتحقق بالنسبة لطفل ومحارب في الوقت نفسه.
وعلى الرغم من تعرض كالفين لإصابات قوية أثناء إطلاق الجيوش اليابانية لنيرانها على سفينة «ساوث داكوتا» التي ارتادها، إلا أن تلك الجروح لم تثن كالفين عن رعاية زملائه من الجنود المصابين، حيث اهتم بهم وساندهم، للدرجة التي شعر معها البعض بأنه الأكبر سنا وليس العكس.
مع نجاة بعض الجنود من المعركة القوية أمام اليابانيين، قامت البحرية الأمريكية بتقليد كالفين بنوط شجاعة برونزي، علاوة على أوسمة أخرى نظير الإصابات التي تلقاها، ليشعر البطل الصغير بالفخر، حتى حدثت المفاجأة التي لم يتوقعها!
شاهدت والدة كالفين صورته بالصدفة على صفحات المجلات، فسارعت بالاتصال بالمسؤولين، لتبلغهم بأن البطل المحتفى به هو في الحقيقة مجرد طفل صغير هارب من منزله، لذا قامت البحرية الأمريكية بتجريده من الجوائز التي حصل عليها، لتتغير حياة الجندي القادم لساحات الحروب رأسا على عقب، ويعود من جديد لحياته التقليدية الآمنة.
عاش كالفين لسنوات طويلة كمواطن أمريكي عادي، حتى أرسل في عام 1976 رسالة للبيت الأبيض، يبلغ المسؤولين فيها بتفاصيل ما عايشه من الصغر، وبالرغم من عدم تلقيه أي اهتمام يذكر بعد مراسلته للبيت الأبيض حتى فقد الأمل، إلا أنه فوجئ بعد مرور عامين بالرئيس الأمريكي حينها جيمي كارتر، يعلن استعادة كالفين لما استحقه من قبل من أوسمة، ليرحل كالفين عن عالمنا في سلام عام 1992، راضيا عما حققه من اسم، جعله المحارب الأصغر في تاريخ الحروب العالمية جميعها.