فريتيوف نانسين، هو اسم لرجل يستحق المعرفة، ليس فقط كونه مستكشفا ورحالة تاريخيا، سافر إلى أبعد المناطق حول العالم، بل لأنه دعم حقوق الإنسان واللاجئين بكل إخلاص وتفان، حتى نال على مدار حياته جوائز رفيعة تشهد على جهده غير المسبوق، وفي مقدمتها جائزة نوبل.
رحالة ومستكشف
يقولون «في السفر 7 فوائد»، ربما الفائدة الأعظم بالنسبة للرحالة النرويجي فريتيوف نانسين، هو إحساسه منذ أن كان شابا يافعا بالمعاناة التي يعيشها المهاجرين واللاجئين، ليقوم فيما بعد بدعمهم حتى الرمق الأخير.
ولد نانسين في المقاطعة النرويجية أكير، في الـ10 من شهر أكتوبر في عام 1861، وتربي بين أحضان أب وأم شديدا الجدية والحرص على التزام طفلهما الصغير، إلا أن ذلك لم يمنع نانسين من بدء رحلاته المكوكية خارج حدود بلاده منذ أن كان شابا صغيرا، وتحديدا في سنة 1888، حيث قرر في هذا الوقت استكشاف قدراته الكامنة في زيارة جزيرة جرين لاند، الواقعة في القطب الشمالي.
كانت رحلة نانسين المتخرج من جامعة أوسلو، وفريقه الشاب تبدو مؤمنة جيدا، حيث شهد كل مكان مستكشف من قبل في جرين لاند، تواجد قليل من البشر محملين بالقليل من المؤن التي ساهمت في إكمال نانسين وفريقه لرحلته المثيرة، إلا أن المغامر الشاب لم يرض بتكرار إنجازات غيره، حيث قرر إكمال طريقه من دون الاعتماد على مناطق التجمع التقليدية التي كان يلقى فيها الدعم من الآخرين.
أكمل نانسين مع فريقه المثابر تجربته المحفوفة بالمخاطر، حتى وصل لإحدى قرى الإسكيمو، بعد رحلة طويلة ومخيفة قطع خلالها نانسيت أكثر من 2500 ميل، فيما واجه عبرها درجات حرارة تقل عن الصفر بما يزيد عن 50 درجة، ليسطر اسمه كأول شخص في العالم يقترب من القطب الشمالي إلى هذا الحد المرعب والمثالي في آن واحد.
دعم حقوق الإنسان واللاجئين
تغيرت الكثير من الأمور في ذهن نانسين بسبب رحلاته المستمرة، والتي ألف بفضلها الكثير من الكتب الرائجة، ونال عليها لقب المستكشف الأول والأوحد في هذا الوقت دون شك للقطب الشمالي، إلا أن كل شيء توقف للأسف ورغما عن نانسين نفسه في سنة 1914، حين شاهد الجميع بكل حزن اندلاع الشرارة القوية للحرب الأعظم آنذاك، والمعروفة حتى وقتنا هذا باسم الحرب العالمية الأولى.
لم يكن نانسين قادرا على الجلوس في منزله مكتوف الأيدي كغيره من البشر العاديين أو حتى المسؤولين في بلاده الاسكندنافية، لذا ترأس اتحاد الدفاع النرويجي، الذي سعى المغامر والمؤلف النرويجي من خلاله إلى ضمان وصول الإمدادات لبلاده، بعد أن تم تهديدها بالقطع، إلا أن الأمور زادت سوءا في سنة 1917، حينما فرضت الولايات المتحدة الأمريكية قيودا تجارية صارمة، ألزمت نانسين بالسفر من دون تردد إلى العاصمة الأمريكية، لإجراء مفاوضات ناجحة انتهت بتخفيف الحصار ووصول الإمدادات المطلوبة لبلاده.
نال نانسين تقديرا واضحا في السنوات التالية، وخاصة في ظل جهوده الناجحة في إعادة أكثر من نصف مليون سجين حرب لبلاده، وتنظيمه لجهود الإغاثة التي أنقذت ملايين البشر من المجاعات في روسيا آنذاك، لذا كان من البديهي أن يعين رئيسا للاتحاد النرويجي لعصبة الأمم، ويسافر لاحقا إلى العاصمة الفرنسية باريس، من أجل حضور مؤتمر السلام، الذي ألقى نانسين خلاله كلمة قوية عن حقوق الدول الصغيرة، وحقوق شعوبها المستضعفة أيضا.
شهد عام 1922 النجاح المجتمعي الأكثر بريقا لنانسين، حيث استحق النرويجي ابن الـ60 ربيعا في هذا الوقت، الحصول على جائزة نوبل في السلام، ليس فقط بسبب جهوده الخاصة بتحرير السجناء وإغاثة ضحايا المجاعات، بل لدوره في إطلاق ما سمي بجواز سفر نانسين، الذي يعتبر أول جواز سفر خاص بالمهاجرين واللاجئين حول العالم، كما يعد نوط الاستحقاق الذي حفر اسمه في التاريخ كأبرز الرحالة الداعمين لحقوق الإنسان على مدار عقود طويلة.
واصل نانسين جهودة الرامية إلى تقوية الشعوب الضعيفة وحماية الأقليات، حتى أصيب بأزمة قلبية حادة، لفظ معها أنفاثه الأخيرة في الـ13 من شهر مايو من سنة 1930، عن عمر يقترب يناهز الـ68، بعد حياة طويلة مليئة بالتجارب الممتعة ولكنها المهمة، التي دفعت فريتيوف نانسين إلى أن يصبح المسكتشف المغامر، وكذلك المؤلف المثابر و أحد أشهر المدافعين عن حقوق الإنسان في التاريخ المعاصر.