انتشر منذ عشرات السنوات وبسرعة البرق بين النساء الحوامل، دواء جديد يدعى ثاليدوميد، لتظهر آثاره الجانبية المرعبة خلال فترة قصيرة، استدعت وقوف طبيبة مثابرة، هي فرانسيس أولدهام كيلسي بحزم أمام انتشار هذا العلاج المثير للجدل، قبل أن يخلف جيلا مشوها ليس له حول ولا قوة.
دواء ثاليدوميد
مع بداية ستينيات القرن الماضي، لاحظ الكثيرون في القارة الأوروبية، ارتفاع أعداد المواليد المصابين بعيوب خلقية خطيرة، كتشوهات الأطراف، أو مشكلات الرؤية والسمع، حيث أرجع المتخصصون الأمر لعدة أسباب، لم يكن من بينها للأسف السر الحقيقي وراء تلك الظاهرة الخطيرة، والمتمثل في دواء ثاليدوميد المستخدم بكثرة إبان تلك الفترة من الزمان.
كان من الشائع أن يصف الأطباء الدواء المشار إليه للنساء الحوامل، لعلاج مشكلات الغثيان التي تواجههن صباحا، حيث لم تدرك هؤلاء النساء الصغيرات أو الأطباء بطبيعة الحال، أن علاج أعراض الحمل المزعجة، سيتسبب في مخاطر مرعبة يواجهها أطفالهن الصغار عند ولادتهم، إن نجح الحمل في الاستمرار من الأساس.
طبيبة مثابرة
في هذا الوقت، ظهرت طبيبة كندية، تدعى فرانسيس أولدهام كيلسي، لتنقب عن أسباب التشهوات المخيفة التي ضربت أبناء عدد من دول أوروبا وآسيا أيضا، وبدأت تمتد إلى أطفال الولايات المتحدة الأمريكية، لتكتشف أن مهدئ ثاليدوميد هو الجاني وراء تلك الجرائم الإنسانية الشائعة حينها.
وقفت فرانسيس وحدها ضد التيار، كي تمنع وصول العلاج المدمر إلى أطفال، يفترض ألا يتعرضوا لذات المصير الذي واجهه الآلاف من الصغار الآخرين حول العالم، ما نجحت الطبيبة فيه بعد أن أجرت الكثير من الأبحاث العلمية التي أثبتت صحة موقفها، وخطورة دواء الثاليدوميد بصورة مؤكدة.
لم تقم فرانسيس بإيقاف بيع دواء ثاليدوميد فحسب، بل نجحت في إعادة نظر المتخصصين تجاه الكثير من العلاجات الأخرى، حتى لا يتكرر الخطأ من جديد، ما أدى لاحقا إلى تعديل الكثير من البنود الخاصة بإجراءات ومعايير الموافقة على بيع الأدوية الطبية.
في النهاية، رأى العالم أجمع نموذج فريد لسيدة مثابرة، هي فرانسيس أولدهام كيلسي، التي انتهت رحلتها العملية بوفاتها عن عمر يتجاوز المائة عام، في سنة 2015، ليسدل الستار على حياة طبيبة أنقذت حياة الملايين من الصغار، قبل أن يلاقوا مصيرا غير محمود.