في الـ23 من أكتوبر من العام 2011، استطاع مانشستر سيتي أن يدهس جاره اليونايتد بعقر داره بنتيجة 6 مقابل هدف واحد، وبرغم أن النتيجة في حد ذاتها أسالت الكثير من الحبر، إلا أن اللقطة الأشهر، كانت حينما سجل الإيطالي ماريو بالوتيلي افتتاحية فريقه، ليحتفل مظهرًا قميصا داخليا كتب عليه.. «لماذا دائمًا أنا؟».
ذلك السؤال الذي ربما ظل يتردد بين فترة وأخرى منذ أن حط «سوبر ماريو» قدميه داخل إنتر ميلان قبل أكثر من عقد كامل إلى أن عاد مجددًا إلى مونزا الذي يلعب بالدرجة الثانية الإيطالية، مرورًا بعدد لا بأس به من الأندية التي لم يترك أي بصمة واضحة بإحداها، على عكس كل التوقعات، التي لطالما أصرّت على أن الإيطالي لاعب فريد من نوعه، ولكن..
ماريو بالوتيلي.. لأننا نكره هؤلاء
بالتأكيد هنالك أسباب منطقية تدفع الجميع لأن يكره أي لاعب كرة قدم في العموم، حتى وإن كان يمتلك بأقدامه ما لا يمتلكه سواه. لأنه وكما نعلم، كرة القدم لعبة تستوجب امتلاك لاعبها كثيرا من السمات الشخصية التي تتعدى القدرة المذهلة على المراوغة والتسديد، وإلا فما هو الفارق الحقيقي ما بين صديقك الذي يمكنه مراوغة الجميع بزقاق الحي، وبين آخر يمكنه فعل نفس الأمر لكن أمام آلاف من الجماهير المشحونة مسبقًا؟
«كرة القدم أصبحت أكثر تعقيدًا الآن، لا يمكن للموهبة وحدها أن تصل بك إلى حيث تريد، إن أردت أن تصبح ذا قيمة عالية، عليك أن تمتلك العقلية أيضًا».-بيتر بوش، المختص بطب النفس الرياضي.
بدايةً؛ دعنا نخبرك بأن جميع من شاهد ماريو عن قرب يدرك تماما بأنه يمتلك المقومات الفنية والبدنية التي تجعله أفضل لاعب كرة قدم في العالم على الأقل في أول فترات ظهوره، ودعنا نخبرك كذلك بأن عبارة جميع تلك هي اختصار لعدد وافر من النجوم الذين تفوقوا في هذه اللعبة لسنوات طويلة سواء كانوا لاعبين أو مدربين. إذن فنحن أمام أول إجابة لسؤالنا المربك، بشكل ما نحن نشعر بالشفقة تجاه موهبة لم تصل لسبب ما إلى المنتظر منها، وكرد فعل طبيعي يكون التصرف المنطقي هو الكراهية لذلك الشخص، لأننا ربما نريد أن نحظى بفرصة مشابهة لتلك التي حصل عليها، كي نوضح للعالم من حولنا بأن العالم ما هو إلا مكان لا وجود للعدالة بداخله، فهنالك من يحظى بعدد ضخم من الفرص التي لا يستحقها.
كسول ومغرور وكل ما لذ وطاب
لسنا هنا لندافع عن ماريو وأمثاله، وحتى لا نتهم بالانحياز، فبالفعل يمتلك بالوتيلي قدرًا هائلا من الغرور، ربما ظهر منذ أن أعلن كاسم قادم بكرة القدم الأوروبية حين تهكّم على مستوى جاك ويلشر، لاعب آرسنال الأسبق، حين تنافسا سويًا على جائزة «الفتى الذهبي» لأفضل لاعب صاعد بالعالم، لكننا عند هذه النقطة ربما تخيلنا بأن هذا التصرف نابع عن ثقة عظيمة بالنفس كتلك التي يمتلكها عظماء اللعبة، لأننا لم نكن نعلم ما سوف تنتهي إليه الأمور أخيرًا.
ربما بدأت حالة الرفض تتبلور حين صرّح جوزيه مورينهو، مدرب الإنتر الأسبق بأن ماريو كسول جدًا خلال التدريبات، لأنه يرى بأنه يمكنه اللعب في هذا المستوى معتمدًا فقط على موهبته المذهلة دون أي حاجة لتقديم أي تضحيات تذكر، بل إنه أكد على أن ماريو لا يقدم ما يصل إلى 25% من مجهوده من الأساس. وبما أن الجماهير غالبًا ما تريد من لاعبها أن يقدم كل شيء من أجل الفريق، فكان بديهيا أن تصب جام غضبها على اللاعب المقصّر في حق فريقه أولًا ثم في حق نفسه.
«إذا كنت صاحب مزاج مشابه حين كنت بعمر الـ17، أعتقد بأن زملائي الأكبر سنًا كانوا ليوسعوني ضربًا داخل أرض الملعب»-فرانشيسكو توتي، أسطورة روما الإيطالي، متحدثًا عن رأيه في تصرفات بالوتيلي.
إذن يمكننا أن نضيف إجابة أخرى على سؤالنا الذي ما زال مربكًا، بشكل ما، وبافتراض حسن النية، أراد الجميع لبالوتيلي أن يتفادى كل ما يمكن للاعب مراهق يشعر بموهبته الفذة أن يقع به، تارة عبر تدليله، وأخرى عن طريق القسوة عليه، إلا أن النتيجة ظلّت واحدة، محصلة تساوي صفرًا كبيرًا.
هل يكره ماريو نفسه إذن؟
طبقًا لـ«فرانك وارال»، الذي كتب سيرة ماريو بالوتيلي الذاتية، فكرة القدم بالنسبة لسوبر ماريو لم تكن سوى طريقته المثلى للهروب من حياته الشخصية المأساوية التي عاشها منذ أن خرج من بطن أمه، فبداية ترك في دار أيتام بعدما رفض أبواه تربيته بحجة عدم مقدرتهم على ذلك، مرورًا بالنشأة وسط عائلة بيضاء البشرة جعلته يتشكك في هويته التي تختلف تمامًا عن ذويه، وصولًا إلى فشله في تكوين أي علاقات عاطفية كأي شاب وصل لسن الـ18، الأمر الذي جعله يشعر بأنه لا وجود له.
من هنا يمكننا التعلّق بطرف الخيط، ماريو لم يلعب كرة القدم بهدف التألق والوصول للحلم الكبير كحال معظم اللاعبين الشباب، لكنه فعل ذلك كي يضمن لنفسه بأن يصبح إنسانًا يمتلك قدرًا مناسبًا من الاهتمام به، لكن هذه الرغبة اصطدمت بالصورة النمطية التي تمتلكها الجماهير عن لاعب كرة القدم، وخاصةً، إذا كان صاحب بشرة سمراء، نشأ في ظروف جعلته يتساءل حسب أحد معلميه السابقين، عما إذا كان لون قلبه داكن اللون أيضًا.
أخيرًا يمكننا أن نجد الإجابة المثالية للسؤال الذي طرح بالعنوان، وربما نستعين في الإجابة عنه بما جاء على لسان «لويجي جارلاندو»، صحفي لاجازيتا ديللو سبورت، حين قال.. «ماريو ظل يطارد ألوان قوس قزح التي لن يتمكن من الوصول إليها يومًا»، وبما أن أهدافنا تتعارض مع أهداف ماريو في الحياة بشكل كلي، يتبقى سؤال أخيرً: لماذا تريد أن يفعل ماريو ما تريد أن تقوم به أنت؟