يرتبط مصطلح الإعاقة الذهنية لدى البعض بالتأخر العقلي الحاد وربما يظن البعض الآخر أنه اضطراب واحد ليس له أشكال مختلفة، لذا نكشف عن خطأ هذا الاعتقاد عبر متلازمات الإعاقة العقلية التي أثبتتها الدراسات العلمية فعليًا، والتي تتباين حدتها كما نوضح الآن في تلك السطور.
الإعاقة العقلية
يعرف الخبراء الإعاقة العقلية التي يطلق عليها أيضًا الاضطراب العقلي النمائي، باعتبارها اضطرابا عصبيا ناتجا عن خلل في الدماغ، يتسبب في العادة في منع المصاب من أداء النشاطات اليومية العادية، حيث تبدو قدراته بشكل عام أقل من المحيطين به، فيما يواجه صعوبات في التعلم وفي التواصل مع غيره.
تختلف مستويات ذكاء ضحايا متلازمات الإعاقة العقلية المختلفة، لكنها في كل الأحوال تقل كثيرًا عن متوسط معدل ذكاء البشر والبالغ 100 درجة، حيث يمكن لدرجة ذكاء الشخص المعاق ذهنيًا أن تقل عن الـ20، فيما تصل في أفضل الظروف إلى نحو 70 درجة فقط.
تتنوع الأسباب المحتملة وراء المعاناة من الإعاقة الذهنية، حيث يمكن للعوامل الوراثية والاضطرابات الجينية أن تؤدي إليها أحيانًا، مثلما تفعل مشكلات الحمل والولادة، وكذلك الظروف البيئية أو الصحية العامة، والتي تتسبب في جميع الظروف في ظهور إحدى متلازمات الإعاقة العقلية.
متلازمات الإعاقة العقلية
يرى الباحثون أنه من بين متلازمات الإعاقة العقلية شديدة التعدد، توجد 4 أنواع هي الأكثر شهرة وانتشارًا بين البشر، حيث تتمثل تلك الأشكال المختلفة للإعاقات الذهنية في:
متلازمة الكروموسوم إكس الهش
تعد متلازمة الكروموسوم إكس الهش هي العامل الأكثر تسببًا في ظهور الإعاقات العقلية، وتحديدًا تلك الناتجة عن الجينات الوراثية، حيث يصاب الشخص بها جراء طفرة جينية، تتمثل في تغير شكل الحمض النووي الوراثي في الكروموسوم إكس.
يعاني المصاب بهذا النوع من متلازمات الإعاقة العقلية من مشكلات مختلفة على صعيد النمو والمشاعر والسلوك والجسم، فيما تختلف حدة الأزمة من شخص لآخر، علمًا بأن فرص الإصابة بين الذكور تبدو أكثر ارتفاعًا مقارنة بالفتيات، حيث يعاني من متلازمة الكروموسوم إكس الهش ذكر من بين كل 3600، فيما تعاني منها فتاة بين كل 4000 حتى 6000 فتاة.
تظهر أعراض تلك المتلازمة عادة في صورة تأخر نمائي وصعوبات في التواصل وكذلك قلق شديد وربما فرط في النشاط ونقص بالانتباه، علمًا بأن سلوكيات ضحية هذا النوع الشائع بين متلازمات الإعاقة العقلية، تبدو قريبة الشبه من علامات التوحد، كأن يقوم المصاب بالتصفيق مرارًا وتكرارًا أو يعاني من صعوبات في فهم المشاعر أو حتى في التواصل البصري مع غيره.
متلازمة داون
هي الثانية بين متلازمات الإعاقات العقلية، والتي يظن البعض أنها من ضمن الأمراض الذهنية، رغم أنها في الواقع تصنف كاضطراب جيني وليس مرضا، يعاني منه المصاب حينما يولد بنسخة إضافية سواء كانت كاملة أو غير مكتملة من الكروموسوم 21 في الحمض النووي الوراثي.
تعد متلازمة داون هي الاضطراب الجيني المرتبط بالكروموسومات الأكثر تسببًا في صعوبات التعلم لدى الأطفال الصغار، فيما لا يكتفي بتأثيره السلبي على الحالة العضوية والقدرات النمائية لدى ضحاياه، بل يزيد من فرص معاناتهم من مشكلات أخرى صحية تتعلق بالقلب والجهاز التنفسي.
يكتسب المصاب بمتلازمة داون بعض الصفات الشكلية المعروفة، وفي مقدمتها العين المائلة للأعلى والوجه المستدير وكذلك القامة القصيرة، كما يعاني كذلك من صعوبات في التعلم ومن درجة من التراجع الحاد في المهارات، إلا أن تلك الأمور السلبية قد تختلف من مصاب لآخر وفقًا لطبيعة أزمته.
متلازمة تأخر النمو
يكشف النوع الثالث بين متلازمات الإعاقة الذهنية عن حالة التأخر الواضح للطفل الصغير، والتي يلاحظها الأبوان عند مقارنته بالأطفال الآخرين من نفس مرحلته العمرية، حينها تعرف أزمته باسم تأخر النمو.
تظهر علامات التأخر في النمو في تراجع واضح في أمر واحد أو أكثر، حيث يمكن للأزمة أن تلقي بظلالها على سبيل المثال على قدراته على التواصل أو التعلم أو الحركة أو الفهم أو حتى التعامل مع الأطفال الآخرين من حوله.
أحيانًا ما يبدو ضحية تأخر النمو صامتًا طوال الوقت، وغير قادر حتى على الحركة من مكان لآخر، قبل أن يتطور وضعه للأفضل بمرور السنوات، بعكس بعض الحالات الأخرى التي تبقى كما هي لتعاني من صعوبات عدة على صعيد التعلم، لتصبح أزمتها أكثر وضوحًا فيما بعد.
متلازمة برادر فيلي
تشكل متلازمة برادر فيلي إحدى متلازمات الإعاقات العقلية شديدة الخصوصية، حيث تعرف بأنها اضطراب جيني نادر يصيب شخصا واحدا من بين 10000 إلى 20000 شخص، فيما تحدث تلك الإعاقة المعقدة جراء تغيرات غير مألوفة في جينات الكروموسوم 15.
تتعدد أعراض تلك المتلازمة النادرة، إلا أن أشهرها يتلخص في حالة النهم الدائمة بالطعام، والتي تبدأ ملامحها في الظهور مع بلوغ الطفل عامه الثاني فقط، وهي الأزمة الغذائية الناتجة عن عجز المخ عن إرسال إشارات الشبع للشخص، ليبدو جائعًا طوال الوقت رغم أنه قد تناول طعامه منذ فترة قصيرة.
تختلف الأعراض الأخرى لمتلازمة برادر فيلي من حالة لأخرى، ولكنها تتفق على ضعف التكوين العضلي للمصاب، وقصر قامته الواضح، فيما تظهر على الصعيد الذهني أعراض الإعاقة واضحة مع فشل المصاب في حل المشكلات وعلى الصعيد اللغوي وكذلك فيما يخص العد وغيرها من المهارات الحسابية.
من الوارد أن يولد ضحية متلازمة برادر فيلي ببعض الملامح الشكلية الثابتة، مثل التمتع بعين تشبه اللوز، ورأس غير منتظمة وأصغر من المعتاد، إضافة إلى شفاه علوية أقل سمكًا، وشعر خفيف وكذلك فم يميل للأسفل.
اضطرابات طيف الكحول الجنينية
تمثل تلك المجموعة من الاضطرابات المتلازمة الأخيرة من بين متلازمة الإعاقة العقلية الأكثر شهرة، حيث تحدث كما يوضح اسمها جراء تعرض الجنين للكحول، ما يحدث حينما تقوم الأم بشربه خلال فترة الحمل ليمر عبر المشيمة وينتقل من مجرى دم الأم للطفل الذي لم يولد بعد، ويعاني الجنين إذن من نفس درجة التركيز من الكحول، والتي تصل للأم نفسها.
قد تتشابه أعراض اضطرابات طيف الكحول الجنينية أحيانًا كما تختلف في أوقات أخرى، ليتمثل الشائع منها في تشوهات بالمفاصل وتلف في بعض أعضاء الجسم كالقلب والكلى، هذا إلى جانب التأخر في النمو وصعوبات التعلم وضعف بالذاكرة أو الحكم على الأشياء، ومشكلات سلوكية وأخرى تتعلق بالتواصل.
تحذر منظمة الصحة العالمية النساء من شرب الكحوليات، سواء خلال فترة الحمل أو انتظار أو توقع حدوثه، حيث يبدو التوقف عن تناوله للأبد هو الخيار الأفضل، فيما تنبه إلى الخلط الذي يحدث بينه وبين التوحد واضطراب نقص التركيز مع فرط النشاط، والذي يتطلب انتباه الأطباء في مرحلة التشخيص.
هل يوجد أمل في علاج متلازمات الإعاقة العقلية؟
يؤكد الخبراء دومًا على كون متلازمات الإعاقة العقلية كافة من الاضطرابات المزمنة التي لا يمكن شفاء المصاب بها بشكل كامل، إلا أن ذلك لا يعني عدم القدرة على التحكم في أعراض أي من الأزمات المذكورة مسبقًا عبر خطوات علمية تالية:
العلاج النفسي
على الرغم من أن متلازمات الإعاقة العقلية المختلفة لا تصنف باعتبارها من الأمراض النفسية، إلا أن بعض العلاجات المعروفة لاضطرابات نفسية شهيرة كالاكتئاب والقلق واضطراب ثنائي القطب، لها دور في تحكم المصاب في أعراضه المزعجة.
تعد جلسات العلاج السلوكي المعرفي هي الخيار الأفضل حينها، حيث تنجح في تعويد المصاب على القيام بأفضل السلوكيات المفيدة له، مقابل التخلي عن تلك السلوكيات المضرة لحالته، فيما يمكنها دعمه على الصعيد النفسي، في ظل خصوصية أزمته التي يجهل الكثيرون كيفية التعامل معها أو مع ضحاياها.
الأدوية العلاجية
إن كانت الجلسات النفسية تسيطر قدر الإمكان على أعراض متلازمات الإعاقة العقلية دون شفاء المريض منها، فإن الأدوية العلاجية قد تنجح في لعب الدور نفسه، إن وصفت من جانب الطبيب المختص وتم الالتزام بها من قبل ضحية الإعاقة الذهنية وأسرته.
بإمكان الأدوية أن تحسن المزاج الخاص بالمريض، كما تساهم في زيادة التركيز وتقليل فرص المعاناة من القلق والتوتر، لكن استشارة الأطباء قبل تناولها تبدو هي الخيار الوحيد دون شك.
الدعم الأسري
هي الخطوة العلاجية التي تقع على عاتق أفراد أسرة المريض، حيث يؤدي تقديم الدعم النفسي الدائم له من جانب الأبوين والأشقاء وأفراد العائلة المقربين، إلى تقليل حدة أعراض أزمته رويدًا رويدًا، كما قد تساهم في تحفيزه على زيارة الأطباء والاستمرار على العلاج دون كلل أو ملل.
كذلك قد يتمثل الدعم الأسري في إلزام المصاب بالقيام ببعض النشاطات لاعتياد الاستقلالية، مع تحفيزه على مشاركة الآخرين للأنشطة الاجتماعية، التي تقلل فرص انعزاله لتحول دون معاناته من الأزمات النفسية.
في كل الأحوال، تبدو متلازمات الإعاقة العقلية رغم تعددها متشابهة، سواء في معاناة المريض السلوكية والتعليمية، أو في دور الأسرة في تحسين حالته، ليبقى دعمه الدائم هو العلاج الوحيد المتاح لحالته حتى الآن.